أكتب هذه التدوينة في ساعة متأخرة من اليوم، لأني أشعر وكانًّ الكلمات تتقافز في حلقي، كأنني إن تجاهلتها ستخرج عنوةً في صورة لا أحبذها، لِذا استسلمت لها وها أنا ممسكة بحاسبي المحمول لأكتبها، لعلها تهدئ من روعها قليلًا وتطئمن أنني لن أتجاهلها للأبد. أول هذا الشهر أغلق مخبزي المفضل، جزء من ذاكرتي في هذا الحي اختفى جغرافيًا ولم يعد موجودًا إلا بذاكرتي. تأثرت لأنني ارتبطت معنويًأ بالمكان وموظفيه، لكن ربما هذا تدريب أولي لي، لأستعد لرحيلي الحقيقي عن هذا المكان، القادم لا محالة وإن تأخر شكليًا. خلال الشهر انقسمت لشخصيتين، شخصية الفراشة الاجتماعية التي ترتب اللقائات وتسعد بها، والشخصية الأخرى التي أقل ما يقال عنها أنها ليست فراشة اجتماعية. لكن لا بأس أهنئ شخصية الفراشة الاجتماعية لتسيد المشهد بشكل لا يستهان فيه، ربما تفوز على الجانب الآخر مني مستقبلًا. لا أستطيع أن أخفي ثنائي وتقديري عن الجانب الاجتماعي مني هذا الشهر، لأنه مكنني من تكوين صلات أثِق أنها ستكون مصدر بهجة لي في الوقت الباقي لي في بلد الدراسة، وربما حتى بعد العودة. الحمدلله على الناس الطيبين الذين يسخرهم الله لنا من حيث لا نحتسب، وشكرًا لي للعمل بالأسباب : p.
ربما حان الوقت لنناقش الشخصية الأخرى؟ لا أعلم. أنظر لنفسي في المرآة وبالكاد أتعرف علي، تلك الفتاة أو المرأة التي تلقي النظر إلي ثم تشيح عيناها عني كأنها لم تَرَ شيئًا يرضيها أو يشد اهتمامها بما فيه الكفاية، ترعبني. أخاف أنني أرتكب خطئًا بأن أسمح لنفسي بالتمادي في هذا الشعور والغوص فيه. تمر علي الأيام بسرعة مخيفة، وفي وسطها أجدني أفيض ألمًا. أكون واقفة في طابور الحساب، أو أمشي في وسط شوارع المدينة أو الحرم الجامعي، راكضة للحاق بموعدِ ما أو حتى محاضرة، ثم أرجع للمربع الأول الذي بدأت فيه منذ وقت طويل. يمر في ذهني خاطر، هل أنا الوحيدة التي أمر بهذا؟ الكرة الأرضية مليئة بالموجوعين والمتألمين أمًّا أنتِ غارقة في رفاهية أوجاعِك، يجب أن تكوني قادرة على المضي قدمًا والتجاوز “مثلك مثلهم”. إذًا لماذا ما زلت هنا؟ لماذا لم أستطع التجاوز بعد؟ حلقة مفرغة من الألم تعيث في روحي فسادًا. لا أعلم، وليسَ عندي الوقت لأتعلم. أحتاج أن أجتاز هذا الفصل الدراسي بكل ما فيه، ثمَّ ربما أسمح لنفسي برفاهية الانهيار.
يواسيني أنني رغم المشاعر السوداء، ما زلت قادرة على التفاعل مع العالم الخارجي، أتعرف على ناس جدد متى ما سنحت الفرصة، لا أقسو على نفسي كثيرًا -أو أحاول أن أدلعها ويبدو أنني أنجح حد التسيب-، أمشي كثيرًا في أرجاء حيي السكني وعلى النهر متى ما أخذت مشوار بالقرب منه، أتبع نظام غذائي صحي -يارب الثبات : p – ، أكلم أمي وحبايبي، أخبز الكثير من خبز الموز وأشارك الوصفة مع كل من أحب، اقرأ -أقل مما اعتدت عليه- لكن استمراريتي تشفع لي مع إني معلقة في نفس الكتاب لي ثلاثة أسابيع. ما زلت حية -بفضل من الله ومنة- وما دمت كذلك يجب علي أن أحاول التجاوز ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.
أتمنى أن تكونوا أنتم وأحبائكم بخير حال.
-أفنان.
أضف تعليق