.۳٥

إلى العزيزة علياء,

في المرة الأخيرة التي تكلمنا فيها قلتُ لكِ أنني سأكتب لكِ رسالة كئيبة من نوعها، وها أنا أفي بوعدي، إن نجحت في نشر هذه التدوينة في الوقت المناسب. لن أطيل عليكِ بالمقدمات، لكن هل يُعقل أنَّ المكان الذي يجعلني أشعر بأقصى كم من السعادة قادِر على أن يجعلني أشعر بأقصى كم من الحزن؟ أود أن أقول أنني لا أفهم هذا الشعور، ولكِنني أفهمه وأشعر أنني أمر بلحظة ديجافو، أو أنني حظيت هذه المرة بحساسية عالية اتجاه كل ما يحصُل حولي. لا يكاد يحصل أمر إلا والدموع تنكسب من عيني انسكابًا، أستطيع أن ألوم دموعي على الهرمونات، الدورة المتأخرة، اللقاح الذي أقنعت نفسي أنَّه أخر الدورة. لكن الحقيقة التي لا أود الاعتراف بها بصوت عالي أن شيئًا في نفسي انكسر، اللحظة التي استوعبت فيها أنَّ المكان الذي من المفترض أن أشعر فيه بالأمان هو نفسه الذي يشعرني بالتهديد.

لا أدري ما الذي يحمله المستقبل تحديدًا، ويسيطر على ذهني شعور أنَّ هذا الوجود لا معنى له، على الأقل وجودي شخصيًا. : p ركضي في دوائر مفرغة من المشاعر والأحداث نفسها التي لا تتغير، صيَّرني إلى جسد أجوف، أقابل الأشخاص الذين أعلم أنَّ عدم لقائي إياهم هذه الفترة تحديدًا سيجعلني أندم مستقبلًا، أومئ في اللحظات المناسبة وأبتسم، أشكل الجسد الأجوف إلى الجسد المتوقع مني أن أكونه وأذوب فيه. هل هذا الذوبان يحسن من صحتي النفسية أم لا، أمر قيد الدراسة حاليًا، لكنني أحاول -على الأقل-. الأمر الوحيد الذي يهوِّن علي كل هذا الألم هو فكرة ومعنى العبودية، أعتقد أنني لولاها سأكون جُنِنْت. عبوديتي لله عزوجل وشعوري أنَّ في هذا الكون شيء أكبر من مشاكلي الشخصية التي لا أستطيع أن أرى لها حلًا في الأفق، الأمر الوحيد الذي يجعلني قادِرة على الدوس على مشاعري وقلبي -حرفيًا وليس مجازيًا- والمضي قدمًا. أقول لنفسي أن المضي قدمًا ليسَ خيار بل واجِب، الابتسامة ومحاولة التجمل لآخر لحظة، أن لا أصب جام غضبي على أرض المطبخ وأسبب مشاكِل لا نهاية لها، أن أمارس النوم كهواية وأتدرب عليه بشكل يومي بمعدل يفوق الطبيعي بنسبة مليون بالمية، أن أحافظ على حماسي بشأن شراء غَرَض خططت لشرائه منذ أشهر، أن أبتسم في وجه أختي وهي تسأل “ليه ويْهج مقلوب”، أن أعتذِر للكثير من الأشخاص لأنني غير قادِرة لا جسديًا ولا نفسيًا على مجالستهم، أن أشرب فناجين من القهوة التركية على معدة خالية وأتجمل أتجمل أتجمل، إلى حد أنَّ التجمل ملَّني يا علياء. لا أعلم ما هي آخرة كل هذا الأسى، أعلم أنَّ الدموع أصبحت تنسكب باستمرار بعدما قضيت أشهر أحاول استدرارها، هل هو الأسى أم أنا؟

المُهِم، أود أن أقول أنَّ القادِم أجمل، وأنني متفائلة “جدًا” بشأن العام الجديد، ولكن هذه ستكون كِذبة لم أعتد أن أقولها لكِ بالذات. : p أعلم أنني “للأسف” غير قادرة على الاستسلام وممارسة تدمير الذات حتى عندما تكون هذه أقصى رغباتي، لِذا شأحاول أن أمارس “تخديرها” وأتحفظ على ذِكر الخطة. أتمنى أن يكون هذا ما قصدتيه عِندما طلبتِ مني أن أكتُب لكِ رسالة من هذا النوع، وأنّه حتى إن لم يكن القادم أجمل لي، لعله يكون أجمل لكِ وكل من يقرأ.

-أفنان.

3 رأي حول “.۳٥

اضافة لك

  1. حبيبة قلي يا أفنان
    صادفت مدونتك صدفة وبحق سعيدة لمصادفتي لمدونتك وياريتك تعلمين مدى انتمائي لمذكراتك
    حبيبتي يا أفنان والله
    صلواتي ان تعود إليك اناك وان تطفو بعيدًا عن هذة العفونة ويارب تكون سنة خفيفة على قلبك الرقيق
    قبلات لك بحجم السماء وكوني بخير دومًا
    -بشرب شاي واكمّل اقرأ مذكراتك -مشاعر حنونة تجتاحني اثر مصادفتي لحسابك
    جدًا مبسوطة
    -ليلة سعيدة لك
    تذكري اني هنا دومًا لقراءة مذكراتك وعلى احر من الجمر للقراءة اكثر واكثر

    إعجاب

    1. أهلًا وسهلًا، شكرًا لك على تعليقك الي واضح إنه طالع من قلب، أشرب شاي نعناع الآن واقرأ التعليق مرة ثانية. متأخرة جدًا بالرد لكن من يوم قريته وأنا ناوية إني أرد عليه. متابعتك وحماسك لمدونتي يلمسون قلبي، شكرًا من القلب.
      -أفنان

      Liked by 1 person

أضف تعليق

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑